– فجأة صار الذين أنكروا وجود الإرهاب على الحدود وفي الجرود، واسموهم ثواراً، من دعاة الحرب على الإرهاب، يرفعون رايات الجيش اللبناني الذي يخوض حرباً ضروساً على جماعات تنظيم داعش هناك، وقد مضى عليها ثلاث سنوات وهؤلاء أنفسهم يشكلون طابوراً خامساً يربط مصير هذا الاحتلال بمعادلات وظيفية لتخديم مشروع حرب تورط فيها ضد سورية منذ سبع سنوات. فمرة لا يمكن المخاطرة بحرب سترتب آثاراً مأساوية على النازحين، ومرة لا يمكن الفصل بسهولة بين حمل هؤلاء للسلاح، ولو تحت لواء تنظيمات إرهابية، وبين ما يسمونه الثورة في سورية والموقف من نظام يكيلون له كل الشتائم التي تبرر تغطية بقاء الإرهاب محتلاً جزءاً من لبنان.
– عندما يخرج هؤلاء مدافعين عن الجيش اللبناني في هذه الحرب، فهل هذا تعبير عن صحوة ضمير أو التزام باستحقاق وطني، أم تعبير عن توافق وطني كبير وراء الجيش، واصطفاف جامع للبنانيين، أم هو ما تفسره الجملة الثانية لكلمة نعم للجيش، والتي يتخذون منصة دعم الجيش مدخلاً لقولها. وهي بيت القصيد، فيندلع النص على ألسنتهم بعناوين مثل، اللاتنسيق هو ضمانة نصر الجيش، ولا حاجة للتنسيق، ولا مبرر بعد معركة الجيش للحديث عن حاجة لسلاح المقاومة، ومعركة الجيش أسقطت مبررات تدخل المقاومة في الحرب في سورية؟
– طبعاً، لن تدخل المقاومة ولا أهلها في ما يريده هؤلاء من ابتداع سجال تنافسي غير موجود بين الجيش والمقاومة، وكل نصر يحققه الجيش وكل مصدر قوة يظهره، يشكل سبباً لتحية وإكبار ينالهما من أهل المقاومة وقادتها. والنقاش ببساطة مع هؤلاء الذين يفتعلون غباراً لا أساس له، هو بعد السؤال عن سر حماسهم اليوم للمعركة التي يخوضها الجيش بعكس الأمس، وهل المتغير هو خوض المقاومة لنصفها الأول؟ والسؤال هل يستطيعون كدعاة لوقوف لبنان ضمن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن أن يفسروا لنا لماذا يتخلف طيران التحالف عن مؤازرة الجيش اللبناني في معاركه، أسوة بما يفعله مع تشكيلات أقل قيمة عسكرياً وسياسياً؟
– يقول هؤلاء قصائد الحب للجيش أملاً بتحويلها لمنصات كراهية للمقاومة ويتجاهلون أن شباب هذه المقاومة لبنانيون لهم عائلاتهم التي تنتظر عودتهم بفارغ الصبر، ولهم جامعاتهم التي اشتاقت مقاعدها إليهم، ولهم حياتهم التي هجروها ليحموا بلدهم بينما تلهّى سواهم بالقول والفعل على إيقاع ما تأتي به أوامر سفارات لم يقدم أصحابها للبنان إلا الفتن، وعلى المتفلسفين ألا يحلموا بدخولنا النقاش معهم تحت عنوان التشكيك بقدرات الجيش الذي نحبّ وبه نفتخر، بل أن يجيبوا عن أسئلة تمس جوهر خياراتهم وخيارات أسيادهم، إذا كانت معادلة الجيش والشعب والمقاومة قد سقطت في حرب الجرود، فهل سنتوقع تزويد واشنطن لجيشنا الوطني بشبكات الدفاع الجوي لحماية أجوائنا من العربدة «الإسرائيلية»، فنطمئن أننا لا نحتاج لقدرة الردع التي تملكها المقاومة لمنع إسرائيل من التفكير بالعدوان؟ وهل لديهم كلمة سر بأن الباتريوت مقبل إلى خزائن تسليح الجيش اللبناني، أم فقط يريدون من التحية للجيش في إنجازاته تجريد لبنان من مصادر قوته بوجه «إسرائيل» ليشمتوا معها بالاستفراد بالجيش، وإملاء شروط الإذعان التي سبق وصفقوا لها منذ ثلاثة عقود جماعات ومنفردين، وتكفّلت المقاومة بإسقاطها؟
– معادلات حرب الجرود تقول ما يقرأه «الإسرائيليون» فيها، فبدلاً من معادلة جيش وشعب ومقاومة انتقلنا إلى معادلة لا تحتاج الإعلام والتباهي بها علناً، هي معادلة جيشان وشعبان ومقاومة.
– سدّدوا فواتيركم كما شئتم لمن ينتظرها منكم ويسألكم عن الدعوات لنشر اليونيفيل على الحدود، وقولوا غداً عنها، هذا حصرم رأيته في حلب، فلم يعد لديكم إلا لعبة الفواتير والتسديد، أما الفعل فقد صار في مكان آخر.